القمر هو الجرم السماوي الوحيد الذي يدور حول الأرض، وهو أيضا أقرب الاجرام السماوية اليها، لذلك يطلق على القمر بانه الرفيق الوحيد للأرض، ويبعد القمر عن الأرض في المعدل 384401 كيلومترا، كما ان مساحة القمر أصغر من مساحة الأرض بحوالي 50 مرة، حيث لا تزيد مساحته عن مساحة الأميركتين الشمالية والجنوبية.
الشهر القمري Lunar Month
يدور القمر حول الأرض في فترة زمنية مقدارها 27 يوماً و7 ساعات و43 دقيقة و11.87 ثانية، وهذه الفترة الزمنية تعرف بالشهر القمري النجمي Sidereal Month. ولكن بعد انقضاء هذه المدة الزمنية من عمر القمر الوليد، لا يعود القمر للاقتران مرة أخرى، وذلك لأن الأرض تكون قد سبقت القمر بحوالي 27 درجة، وبما أن القمر يقطع في اليوم الواحد مقدار 13 درجة في المعدل، فإن القمر يحتاج لأكثر من يومين حتى يصبح في الاقتران، لذلك تصبح المدة الزمنية للشهر القمري الوسطي 29 يوماً و12 ساعة و44 دقيقة و2.87 ثانية، وليست هذه المدة الزمنية للشهر القمري الاقتراني دائماً، بل هي معدل مدة الشهر القمري الاقتراني، حيث تتغير مدة هذا الشهر من شهر لآخر، وذلك بسبب عدة عوامل مثل تغير سرعة القمر في دورانه حول الأرض، وتغير سرعة دوران الأرض حول الشمس، وتراجع عقدتي القمر وتغير العرض السماوي للقمر.
شكل الهلال
عند رصد الهلال في بداية الشهر القمري او في نهاية الشهر، نلاحظ ان شكل الهلال (اتجاه فتحة الهلال) تتغير من شهر الى اخر ومن هلال اول الشهر الى هلال نهاية الشهر القمري، ويحدث هذا التغير بسبب تغير موقع القمر نسبة موقع الشمس، حيث ان فتحة الهلال تكون دائما باتجاه معاكس لاتجاه الشمس أي المكان القادمة منه اشعة الشمس.
فاذا كان موقع القمر في بداية الشهر فوق الشمس أي يغرب في نفس مكان غروب الشمس، فان فتحة الهلال سوف تكون للأعلى أي ان الهلال سيكون مثل حرف النون، بينما إذا كان موقع الهلال مائلا نحو الجنوب (الى يسار الراصد) بالنسبة لمكان غروب الشمس فان فتحة الهلال ستكون مائلة جهة اليسار أي نحو الجنوب، أي مثل حرف الراء (ر) ويزداد ميلان فتحة الهلال نحو الجنوب كلما زادت الزاوية الافقية Azimuth Angle بين الشمس والقمر.
ويجب ان نعرف قضية فلكية مهمة وهي ان اتجاه فتحة الهلال في بداية الشهر اما ان تكون متجهة للأعلى او الى اليسار فقط ومن المستحيل ان تظهر فتحة الهلال مائلة باتجاه اليمين (الشمال).
اما في نهاية الشهر فاتجاه فتحة الهلال تختلف عن بداية الشهر في حالة ميلان مدار القمر عن مدار الشمس، فاذا كان موقع شروق القمر فوق الشمس قيل شروق الشمس فان فتحة الهلال ستكون للأعلى، بينما إذا كان موقع القمر الى يمين الشمس (جهة الجنوب) فان فتحة الهلال ستكون مائلة جهة اليمين.
*الهلال الكبير الحجم والعالي في السماء
في بداية شهر رمضان وعيد الفطر من كل عام، تأتينا اتصالات من عدد كبير من الناس تشكك في صحة قرار بداية الصوم وبداية العيد والحج، والذين يؤكدون في اتصالاتهم ان سبب الخطأ هو ان الهلال سميك وكبير الحجم ومرتفع في السماء، وان الهلال (ابن ليلتين او ثلاثة ليالي) وعليه فصيامنا افطارنا خاطئ ولا يتوافق مع الهلال الموجود في السماء.
من المعروف في علم الفلك ومن خلال شرحنا عن مدار القمر حول الأرض وتغير أوجه القمر خلال الشهر القمري في هذا الفصل، بان حجم الجزء المنظور (المشاهد) من النصف المضاء من القمر يعتمد على ابتعاد القمر عن الشمس في السماء، وانه كلما ابتعد القمر عن الشمس بعد حدوث الاقتران زاد حجم الجزء المشاهد من القمر، لذلك يظهر القمر بعد الاقتران على شكل هلال نحيل ثم يزداد حجما وسمكا يوما بعد يوم حتى يمر بالتربيع الأول ثم البدر (الاكتمال) في منتصف الشهر القمري، ثم يعود للتناقص من جديد حتى يختفي عن الرؤية في نهاية الشهر وهكذا.
ويقطع القمر في السماء في اليوم الواحد حوالي 13 درجة مبتعدا فيها عن الشمس، ويتأخر في الشروق كل يوم حوالي 52 دقيقة في المعدل، فاذا أشرق القمر اليوم الساعة 6 مساء، فسوف يشرق في اليوم التالي الساعة 6:52 دقيقة تقريبا وهكذا.
وعلى سبيل المثال، إذا وقع لاقتران الساعة 5 مساء وكان غروب الشمس في نفس اليوم الساعة 7 فسوف يكون عمر القمر عند الغروب ساعتين، ووفقا للمنطق الفلكي فانه لا تمكن رؤية الهلال وسيكون هنالك اكمال عدة وعلينا الانتظار لليوم التالي لرؤية الهلال، وعندما نرصد الهلال في اليوم التالي سيكون عمر الهلال قد ازداد يوم كاملا فيكون عمره 26 ساعة (2+24) وسيظهر الهلال عاليا في السماء وسميكا.
وقد يكون الهلال أكبر عمرا إذا كانت ساعة الاقتران قد حدثت مبكرا في اليوم، فاذا تولد الهلال الساعة 2:00 فجرا وغابت الشمس في نفس اليوم الساعة 7 فسيكون عمر القمر الوليد 17 ساعة وهي غير كافية لرؤية الهلال، وعندما يرصد العامة الهلال لن يروه، وعند رصده في اليوم التالي سيكون عمر الهلال 17+24=41 ساعة، ويظهر الهلال نتيجة لذلك عاليا وكبيرا السماء بشكل ملحوظ، وفي هذه الحالة سيقول الناس ان الهلال كبير وعاليا في السماء وان صيامنا تبعا لذلك كان خاطئا وأننا افطرنا يوما من رمضان، فيبدأ التشكيك بصحة الصيام!! وهم لا يعلمون ان عمر القمر كان كبيرا أصلا في اليوم السابق لكنه لم يشاهد لعدم تحقق الشروط الأخرى للرؤية.
وحتى تتحقق رؤية الهلال بالعين المجردة أو حتى بالمقراب الفلكي(التلسكوب)، فيجب تحقق عدة شروط رئيسية هي: -
1-حدوث الاقتران: Conjunction
وهو وجود القمر بين الشمس والأرض تماما، ومن الناحية الفلكية تحدد فترة حدوث الاقتران عندما يكون مركز القمر على خط واحد تماما بين مركزي الشمس والقمر وهو أحد أنواع الاقتران ويسمى "الاقتران المركزي" Heliocentric Conjunction، ويكون العرض السماوي للشمس والقمر Celestial Longitude (Right Ascension) او خطوط الصعود المستقيم غير متساويان بالنسبة للمناطق على سطح الأرض، حيث يصل الفارق كأعلى حد حوالي اربع ساعات بين أي منطقة على سطح الأرض، ويعتمد علماء الفلك في العالم هذه الحالة الفلكية لتحديد نهاية وبداية الشهر الجديد ويسمى اصطلاحا "القمر الوليد" New Moon.
وتكون ساعة الاقتران المركزي واحدة بالنسبة لجميع انحاء الكرة الأرضية على اعتبار انها تأخذ مركز الكرة الأرضية وليست منطقة جغرافية محددة، وتكون عادة محسوبة بتوقيت غرينتش، ويتم تحديد الوقت الخاص لكل منطقة من خلال إضافة او طرح فارق الوقت للدولة إذا كانت تقع شرق غرينتش، بينما يتم طرح الوقت من غرينتش إذا كان موقع الراصد غرب غرينتش.
وهناك نوع اخر هو "الاقتران السطحي" Topocentric Conjunction ويعتمد على حدوث الاقتران بالنسبة لمنطقة جغرافية محددة على الأرض أي الاحداثيات الخاصة بموقع الراصد، وهذه الحالة تعطي تصورا أفضل عن ولادة الهلال ورؤيته بالنسبة للراصد في منطقته الجغرافية كونها لا تعتمد على مركز الأرض فقط في حساب موعد ولادة الهلال بل على موقع الراصد، فمثلا لو حدث الاقتران السطحي الساعة 10:00 صباحا بالنسبة لموقع مكة المكرمة الجغرافي، وغابت الشمس في مكة المكرمة بنفس اليوم الساعة 6:15 مساء، فان حساب عمر الهلال Moon Age سيكون الفارق بين موعد الولادة ووقت غروب الشمس وهو 8:15 ساعة، ولو كان الراصد في نفس اليوم موجودا في الولايات المتحدة حيث لم تكن الشمس قد اشرقت بعد، فان الاقتران السطحي لم يكن قد وقع بالنسبة له وعليه ان ينتظر حتى يحدث الاقتران حيث يتساوى خط العرض السماوي للشمس والقمر عنده. وكسوف الشمس المرئي من الدول خير دليل وتوضيح على الاقتران السطحي، فعند حدوث كسوف الشمس وهي حالة من حالات الاقتران فانه يشاهد من مناطق معينة على سطح الأرض بينما لا يشاهد في مناطق أخرى، والمناطق التي حصل فيها كسوف الشمس هي التي حدث عندها الاقتران السطحي، بينما الدول التي لم تشاهد الكسوف والتي شهدت الاقتران المركزي فان الاقتران السطحي اما انه حدث مسبقا او لاحقا لفترة الكسوف، وفي كل الأحوال فان الفارق بين موعده وموعد الاقتران المركزي لا يتجاوز الأربع ساعات كحد اقصى.
وتستحيل رؤية الهلال الوليد قبل حدوث الاقتران، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيميه انه من شهد برؤية الهلال قبل حدوث الاقتران، فيكون في هذه الحالة كمن يشهد بشروق الشمس عند الفجر، أو كمن يشهد برؤية الجنين قبل ولادته، والحالة الوحيدة التي يشاهد فيها القمر عند حدوث الاقتران (الاقتران السطحي) هي الكسوف الشمسي، حيث يرى قرص القمر بوضوح وهو يمر من امام قرص الشمس، وسواء اكان الكسوف كليا او جزئيا او حلقيا.
ويمكن تحديد موعد وجود القمر في الاقتران باستخدام الحسابات الفلكية بدقة فائقة، وخاصة مع دخول الحاسب الآلي الذي يمكنه حساب موعد ولادة الهلال حتى بكسور الثانية لآلاف السنين القادمة.
2-العمر: Moon Age
المقصود بعمر الهلال Moon Age الفترة الواقعة ما بين فترة الاقتران (سواء المركزي او السطحي) وبين لحظة غروب الشمس، فمثلا لو كان موعد الاقتران الساعة 11:59 ظهرا، وغابت الشمس في نفس اليوم الساعة 5:59 فهذا يعني ان عمر القمر الجديد 6 ساعات.
ووفقا للدراسات والمعايير الفلكية التي وضعها العلماء، فانه حتى تتمكن العين البشرية من رؤية الهلال فانه يتوجب ان لا يقل عمر الهلال عن 16 ساعة على الأقل، اما رؤية الهلال بالتلسكوب فيجب لا يقل عمر الهلال عن 12 ساعة. وذهب بعض العلماء الى ان رؤية الهلال تكون عندما يكون عمر الهلال 22 ساعة بزيادة او نقصان ساعتين بحسب الحالة الجوية السائدة، ومن خلال رصدنا المتواصل لهلال أوائل الشهور القمرية فان الذي قال بان أفضل وقت من عمر القمر لرؤية الهلال 22 ساعة هي الادق على الأرجح، ودليلنا على ذلك ان أصغر عمر للهلال تم رصده حتى الان كان يوم 25/2/1990 في الولايات المتحدة الامريكية حيث كان عمر الهلال 15 ساعة و33 دقيقة.
3--المكث:
هو مكث الهلال أو مدة تأخره فوق الأفق الغربي بعد مغيب الشمس مباشرة مدة معينة بحيث تسمح برؤية الهلال، ولقد وجد علميا انه حتى تتحقق رؤية الهلال، فيجب مكوثه بعد مغيب الشمس مدة لا تقل عن 40 دقيقة، والحقيقة أنني قمت منذ عدة سنوات برصد هلال أول كل شهر قمري، ووجدت أن رؤية الهلال تكون صعبة للغاية إذا مكث الهلال مدة تقل عن 40 دقيقة، حتى ولو بالمرقاب، ويستطيع أي شخص القيام برصد هلال كل شهر قمري والتأكد بنفسه من ذلك، وكما حدث في رصد هلال محرم لعام 1412 هجرية، كان الهلال قد مكث مدة 42 دقيقة بعد مغيب الشمس، ولم استطع رؤية الهلال سوى بالمنظار وبصعوبة بالغة، حيث كان الشفق الذي يرافق ظهوره مع غروب الشمس يغطي الهلال، كما ظهر الهلال نحيلا جدا بحيث يصعب تمييزه عن السماء البيضاء المحيطة به.
وكان اقل مكث للقمر شوهد الهلال فيه بالعين المجردة تم في فلسطين يوم 20/9/1990م.
4-سمك الهلال (قوس الرؤية): Crescent Width
يعتقد بعض العامة وحتى من هواة الفلك أيضا ان الهلال يبدأ من حدوث الاقتران مباشرة، وهذا الكلام غير صحيح وغير علمي على الاطلاق، لذلك يجب ان نؤكد ان الهلال لا يولد ولا يتكون عند حدوث الاقتران بل يجب مرور مدة من الزمن حتى يبتعد القمر عن الشمس وتتكون الإضاءة.
وقوس الرؤية هو الحجم المرئي من القمر والمقصود به هنا نسبة إضاءة الهلال المرئي، وهو من العوامل المهمة التي يجب توافرها حتى تتحقق رؤية الهلال، فقد يكون الهلال نحيلا جدا، وبالتالي تتعذر رؤية الهلال، ووجد أن نسبة إضاءة الهلال يجب ألا تقل عن (0،01) علما أن القمر المكتمل تكون نسبة إضاءته (1،00)، وتستطيع الحسابات الفلكية تحديد نسبة إضاءة الهلال بدقة بالغة في أي مكان على سطح الأرض لحظة رصد الهلال.
ويعتمد سمك الهلال على عمر القمر من لحظة الاقتران وعلى عوامل أخرى، فقد يكون عمر القمر طويلا لكن اضاءة قوس الرؤية قد تكون بسيطة، بينما قد يكون عمر القمر الوليد أقصر عمرا لكن نسبة اضاءة قوس الرؤية كبيرة نسبيا، وسبب ذلك اختلاف العرض السماوي بين الشمس والقمر بافتراض نفس العمر للقمر الوليد، فعندما يكون ميلان القمر على خط البروج عند الاقتران كبيرا فان نسبة الإضاءة في قوس الرؤية تكون بسيطة، لكن اذا حصل الاقتران وكان ميلان القمر بسيطا فان نسبة الإضاءة في قوس الرؤية تكون اعلى.
5-طول قوس الرؤية: Crescent Arc-length
وهو مقدار طول الهلال الوليد، فالذي يرصد الهلال في اول الشهر يرى انه نحيل جدا ولا يشكل قوسا كاملا بل يكون في كثير من الأحيان قطعه صغيرة من خط نحيل ولا يشكل خطا طويلا من القرص او طرفه، وهذا يعتمد على عمر القمر الوليد وارتفاع القمر عن الأفق لحظة غروب الشمس بالإضافة للعرض السماوي للشمس والقمر.
6-البعد الزاوي للقمر عن الشمس (الاستطالة): Elongation
وهو ابتعاد قرص القمر عن الشمس مسافة معينة بحيث تستطيع العين تمييز الهلال النحيل عن أشعة الشمس، كما أن الشفق الذي يرافق مغيب الشمس يغطي بشكل واضح مغيب الهلال وعندها قد يتعذر رؤية الهلال، ووجد علميا بأنه حتى يرى الهلال بالعين المجردة، فيجب ابتعاد الهلال عن الشمس مقدار 8 درجة على الأقل، أي بعد حوالي 16 ساعة من ولادة الهلال.
6-ارتفاع الهلال عن الأفق: Altitude
وهو مقدار ارتفاع الهلال عن الأفق الغربي لحظة شروق الشمس، فإذا كان الهلال قريبا من الأفق لحظة غروب الشمس فان رؤية الهلال في هذه الحالة تكون صعبة للغاية، كما أن الشفق يزداد كثافة إضافة إلى العوامل الجوية الأخرى مثل العجاج haze وهي انعكاس أشعة الشمس عن ذرات الغبار في الجو وخاصة في الأفق الغربي قبل غروب الشمس بقليل، أو الشابورة mist وهي نسبة الرطوبة العالية في الجو التي تعمل على منع الرؤية فوق الأفق مما يعيق رؤية الهلال. وقد وجد الفلكيون انه يجب أن يرتفع الهلال عن الأفق الغربي لحظة غروب الشمس مسافة 6 درجات على الأقل حتى تتحقق رؤية الهلال.